فصل: باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَبِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً} (مريم: 16)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


باب‏:‏ ‏{‏يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 138‏)‏

‏{‏مُتَبَّرٌ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 139‏)‏ خُسْرَانٌ‏.‏ ‏{‏وَلِيُتَبّرُواْ‏}‏ يُدَمِّرُوا ‏{‏مَا عَلَوْاْ‏}‏ ‏(‏الإِسراء‏:‏ 7‏)‏ مَا غَلَبُوا‏.‏

والمشهورُ أنه أرمياء عليه السلام‏.‏ أقولُ‏:‏ وهو غَلَطٌ، لأن أرمياء عليه الصلاة والسلام بعد خمس مئة سنة بعد موسى عليه الصلاة والسلام، ولأن الخَضِر كان في زمنه‏.‏ على أنه ثَبَتَ وفاةُ أرمياء عليه الصلاة والسلام، وأمَّا وفاةُ الخَضِر عليه السلام، فهم فيه مُخْتَلِفُون بعدُ‏.‏ ثم لو قُلْنَا‏:‏ إنه أرمياء عليه السلام لَزِمَ أن لا يكون صاحبَ موسى عليه الصلاة والسلام هو الخَضِرُ المعروفُ، أو لا يكون موسى هو موسى بني إسرائيل، لعدم المُعَاصَرَةِ بين موسى عليه الصلاة والسلام، وأرمياء عليه السلام‏.‏ وهذا النزاعُ الذي مرَّ في كتاب العلم من اختصام الرجلين‏:‏ أن موسى هل هو موسى بني إسرائيل، أو غيره‏؟‏ وكذا اختصامُ رجلين آخرين في صاحب موسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ أنه الخَضِرُ عليه الصلاة والسلام‏.‏ أو رجلٌ آخر‏؟‏ فهما يُرِيدَان ثبوتَ المُعَاصَرَةِ بينهما، ولا يُمْكِنُ إلاَّ أن يكونَ الخَضِرُ صاحبَ موسى، هو الخَضِرُ المعروفُ عليهما الصلاة والسلام‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 67‏)‏ الآيَة

باب‏:‏ وَفَاةِ مُوسى وَذِكْره بَعْد

قَالَ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم نَحْوَهُ‏.‏

وإنما زاد قوله، وذكره بعد، لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «فلو كنت ثَمَّةَ لأَرَيْتُكُم»، ولكنه لم يَكُنْ هناك‏.‏

3408- قوله‏:‏ ‏(‏فإنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ‏)‏ والتحقيقُ‏:‏ أن الأحياءُ يَمُوتُون، والأرواحَ يُغْشَى عليها، ويكون هذا الغَشْيُ موتاً لهم، كذا ذكره الصدرُ الشِّيرَازِيُّ‏.‏ وقد مرَّ الكلامُ فيه مبسوطاً‏.‏

واعلم أن موسى عليه السَّلام، إنما أُعْطِي معجزة قلب العصا حيَّةً، لأنها كانت أعظمها عندهم، كما يُعْلَمُ من قصة السَّحَرَةِ، حيث أَلْقُوا حبالهم، فَخُيِّلَ إليه كأنها حيَّات، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَآءو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 116‏)‏‏.‏ فلذا أُوتِي موسى عليه السلام أيضاً، ممَّا تَعَاظَمُوه فيما بينهم، وإن كانت الحيَّةُ من أخبث الحيوانات‏.‏

ثم أُعْطِي له اليدُ البيضاءُ معجزةً أخرى، تلافياً لِمَا يظنَّ في يده من سوء، والله أعلم‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى

‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَانَتْ مِنَ الْقَنِتِينَ‏}‏ ‏(‏التحريم‏:‏ 11، 12‏)‏‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏إِنَّ قَرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 76‏)‏ الآيَة

‏{‏لَتَنُوأُ‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 76‏)‏‏:‏ لَتَثْقُلُ، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أُوْلِى الْقُوَّةِ‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 76‏)‏‏:‏ لاَ يَرْفَعُهَا العُصْبَة مِنَ الرِّجَالِ‏.‏ يُقَالُ‏:‏ ‏{‏الْفَرِحِينَ‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 76‏)‏‏:‏ المَرِحِينَ‏.‏ ‏{‏وَيْكَأَنَّ اللَّهَ‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 82‏)‏ مِثْلُ‏:‏ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ‏.‏ ‏{‏يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشَآء وَيَقَدِرُ‏}‏ ‏(‏الرعد‏:‏ 26‏)‏ وَيُوَسِّعُ عَلَيهِ وَيُضَيِّقُ‏.‏

ورُوِي كما في «الكبريت الأحمر»‏:‏ أن داودَ عليه السلام كان يَصُوم يوماً، ويُفْطِرُ يوماً‏.‏ وكانت مريمُ عليها السلام تَصُومُ يومين وتُفْطِرُ يوماً، فلمَّا جاء عيسى عليه الصلاة والسلام، صَامَ الدهرَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وَيْكَأَنَّ‏)‏ قيل‏:‏ هو مركَّبٌ من المضاف، والمضاف إليه، مثل رُوَيْدَك‏.‏ وقيل‏:‏ إن «وي» حرف تعجُّبٍ، و«كأن» حرفُ التشبيه‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى‏:‏ ‏{‏وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 84‏)‏

إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاسْئَلِ الْقَرْيَةَ‏}‏ وَاسْأَلِ العِيرَ ‏(‏يوسف‏:‏ 82‏)‏ يَعْنِي أَهْلَ القَرْيَةِ وَأَهْلَ العِيرِ‏.‏ ‏{‏وَرَآءكُمْ ظِهْرِيّاً‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 92‏)‏ لَمْ يَلتَفِتُوا إِلَيهِ، يُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ حاجَتَهُ‏:‏ ظَهَرْتَ حاجَتِي وَجَعَلتَنِي ظِهْرِيّاً‏.‏

قَالَ‏:‏ الظِّهْرِيُّ أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ‏.‏ مَكانَتُهُمْ وَمَكانُهُمْ وَاحِدٌ‏.‏ ‏{‏يَغْنَوْاْ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 92‏)‏ يَعِيشُوا‏.‏ ‏{‏يَأْيَسُ‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 26‏)‏ يَحْزَنُ‏.‏ ‏{‏ءاسَى‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 93‏)‏ أَحْزَنُ‏.‏

وَقالَ الحَسَنُ‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لاَنتَ الْحَلِيمُ‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 87‏)‏ يَسْتَهْزِؤُونَ بِهِ‏.‏

وَقالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ لَيكَةُ الأَيكَةُ‏.‏ ‏{‏يَوْمِ الظُّلَّةِ‏}‏ ‏(‏الشعراء‏:‏ 189‏)‏ إِظْلاَلُ العَذَاب عَلَيهِمْ‏.‏

واعْلَمْ أن اسمه في التوراة‏:‏ يثروب، كما أن اسم عيسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ يشوع، وأيشوع‏.‏ ولمَّا نَزَلَ القرآنُ بلغة العرب، اختار ما كان المعروف عندهم، أعني‏:‏ شُعَيْباً، وعيسى عليهما الصلاة والسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ‏)‏ واعْلَمْ أن مَدْيَان اسم لابن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، من بطن قنطوراء، وهي امرآةٌ نَكَحَها بعد هاجر، ثم سمَّى البلدَ على اسمه‏:‏ مَدْيَنَ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى

‏{‏وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لله‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 139‏)‏- إلى قوله- ‏{‏وَهُوَ مُلِيمٌ‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 142‏)‏ قال مجاهد‏:‏ مذنب‏.‏ المشحون‏:‏ الموقر‏.‏ ‏{‏فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ‏}‏ الآية ‏{‏فَنَبَذْنَهُ بِالْعَرَآء‏}‏ بوجه الأَرض ‏{‏وهو سقيم وأَنبتنا عليه شجرة من يقطين‏}‏ من غير ذات أَصل، الدباء ونحوه‏.‏

‏{‏وَأَرْسَلْنَهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فآمنوا فمتعناهم إلى حين‏}‏‏.‏

‏{‏وَلاَ تَكُن كَصَحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ‏}‏ ‏(‏القلم‏:‏ 48‏)‏ ‏{‏كَظِيمٌ‏}‏ وَهُوَ مَغْمُومٌ‏.‏

باب

‏{‏وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ‏}‏ يَتَعَدَّوْنَ يُجَاوِزُونَ في السَّبْتِ ‏{‏إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 163‏)‏ شَوَارِعَ، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُونُواْ قِرَدَةً خَسِئِينَ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 166‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أَوْ يَزِيدُونَ‏)‏ قال الفرَّاء‏:‏ إن «أو» بمعنى‏:‏ بل‏.‏ وقال الآخرون‏:‏ إنه تعالى أتى بحرف الإِبهام قَصْداً، لعدم إرادة الاطلاع بحقيقة أعدادهم‏.‏ قيل‏:‏ إنَّهم كانوا 000و120‏.‏

3414- قوله‏:‏ ‏(‏فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ‏)‏ قال بعضُ الشارحين‏:‏ إنه أبو بكر رضي الله عنه، وإطلاقُ الأنصار عليه باعتبار اللغة، ولعلَّه تكونُ عندهم روايةٌ على ذلك‏.‏

3414- قوله‏:‏ ‏(‏فَغَضِبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ‏؟‏، وفيه تصريحٌ بالغضب، ولم يَكُنْ وَرَدَ في طريقٍ بعدُ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَءاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 163‏)‏

الزُّبُرُ‏:‏ الكُتُبُ، وَاحِدُهَا زَبُورٌ، زَبَرْتُ‏:‏ كَتَبْتُ‏.‏ ‏{‏وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ‏}‏ قالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ سَبِّحِي مَعَهُ ‏{‏وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ؛ أَنِ اعْمَلْ سَبِغَتٍ‏}‏ الدُّرُوعَ، ‏{‏وَقَدّرْ فِى السَّرْدِ‏}‏ المَسَامِيرِ وَالحَلَقِ، وَلاَ يُدِقَّ المِسْمارَ فَيَتَسَلسَلَ، وَلاَ تُعَظِّمْ فَيَفصِمَ ‏{‏وَاعْمَلُواْ صَلِحاً إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ ‏(‏سبأ‏:‏ 10- 11‏)‏‏.‏

باب‏:‏ أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ‏:‏ كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْماً وَيُفطِرُ يَوْما

قالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَهُوَ قَوْلُ عائِشَةَ‏:‏ ما أَلفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ نَائِماً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا جِبَالُ أَوِّبي مَعَهُ والطَّيْرَ‏)‏، قال ابنُ هشامٍ‏:‏ لم أَجِدْ في القرآن مِثَالاً لمفعولٍ معه‏.‏ قلتُ‏:‏ بل هو كثيرٌ، كما عَلِمْتَ منَّا سابقاً، وقوله‏:‏ ‏{‏وَالطَّيْرَ‏}‏ أيضاً من هذا القبيل‏.‏ وقد تكلَّمنا عليه مبسوطاً في «الطهارة»‏.‏

3417- قوله‏:‏ ‏(‏خُفِّفَ على دَاوُدَ القُرْآنُ‏)‏، وهذه مسألةُ طيِّ الزمان، ونشره، وهو من مصطلحات الشيخ الأكبر، ويَسْتَعْمِلُهُ كثيراً، ولكنه لم يفسِّرهْ في موضعٍ‏.‏ ومن علومه‏:‏ أنه يقرِّرُ المسائلَ في ابتداء كلّ بابٍ، ثم يَذْكُرُ علوماً كثيرةً من هذا الموطن في آخره، ولا يقرِّرُها، ومنها هذه المسألةُ‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاْيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏‏{‏وَفَصْلَ الْخِطَابِ‏}‏

قالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ الفَهْمُ في القَضَاءِ ‏{‏وَلاَ تُشْطِطْ‏}‏ لاَ تُسْرِف ‏{‏وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَآء الصّرطِ ؛ إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً‏}‏، يُقَالُ لِلمَرْأَةِ نَعْجَةٌ، وَيُقَالُ لَهَا أَيضاً شَاةٌ، ‏{‏وَلِى نَعْجَةٌ وحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 22، 23‏)‏ مِثْلُ ‏{‏وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 37‏)‏ ضَمَّهَا‏.‏ ‏{‏وَعَزَّنِى‏}‏ غَلَبَنِي، صَارَ أَعَزَّ مِنِّي، أَعْزَزْتُهُ جَعَلتُهُ عَزِيزاً ‏{‏فِى الْخِطَابِ‏}‏ يُقَالُ المُحَاوَرَةُ ‏{‏قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَآء‏}‏ الشُّرَكَاءِ ‏{‏لَيَبْغِى‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّمَا فَتَنَّهُ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 23- 24‏)‏‏.‏ قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ اخْتَبَرْنَاهُ، وَقَرَأَ عُمَرُ‏:‏ فَتَّنَّاهُ، بِتَشْدِيدِ التَّاءِ ‏{‏فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 24‏)‏‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ‏}‏الرَّاجِعُ المُنِيب

وقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لاِحَدٍ مّن بَعْدِى‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 35‏)‏، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلكِ سُلَيمانَ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 102‏)‏‏.‏ ‏{‏وَلِسُلَيْمَنَ الرّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ‏}‏ أَذَبْنَا لَهُ عَينَ الحَدِيدِ ‏{‏وَمِنَ الْجِنّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِن مَّحَرِيبَ‏}‏ ‏(‏سبأ‏:‏ 12، 13‏)‏ قالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ بُنْيَانٌ ما دُون القُصُورِ ‏{‏وَتَمَثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ‏}‏ كالحِيَاضِ لِلإِبِلِ، وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ كالجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ ‏{‏وَقُدُورٍ رسِيَتٍ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الشَّكُورُ‏}‏ ‏(‏سبأ‏:‏ 13‏)‏ ‏{‏فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الاْرْضِ‏}‏ الأَرَضَةُ ‏{‏تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ‏}‏ عَصَاهُ، ‏{‏فَلَمَّا خَرَّ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏المُهِين‏}‏ ‏(‏سبأ‏:‏ 14‏)‏ ‏{‏حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِى‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 32‏)‏ مِنْ ذِكْرِ رَبِّي، ‏{‏فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالاْعْنَاقِ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 33‏)‏ يَمْسَحُ أَعْرَافَ الخَيلِ وَعَرَاقِيبَهَا‏.‏ ‏{‏الاْصْفَادِ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 38‏)‏ الوَثَاقُ‏.‏

وقالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏الصَّفِنَتُ‏}‏ صَفَنَ الفَرَسُ رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيهِ حَتَّى تَكُونَ عَلَى طَرَفِ الحَافِرِ ‏{‏الْجِيَادُ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 31‏)‏ السِّرَاعُ ‏{‏جَسَداً‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 34‏)‏ شَيطَاناً ‏{‏رُخَآء‏}‏ طَيِّبَةً ‏{‏حَيْثُ أَصَابَ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 36‏)‏ حَيثُ شَاءَ‏.‏ ‏{‏فَامْنُنْ‏}‏ أَعْطِ ‏{‏بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 39‏)‏ بِغَيرِ حَرَجٍ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للَّهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ‏}‏ ‏(‏لقمان‏:‏ 12- 18‏)‏

‏{‏وَلاَ تُصَعّرْ‏}‏ ‏(‏لقمان‏:‏ 18‏)‏ الإِعْرَاضُ بِالوَجْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وَفَصْلَ الْخِطَابِ‏}‏‏)‏ وفي روايةٍ ضعيفةٍ‏:‏ أن المرادَ منه‏:‏ أمَّا بعدُ، وأوَّلُ من تكلَّم بها هو داود عليه السلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً‏}‏‏)‏ واعلم أن ما ذَكَرَهُ أصحابُ التفسير في قصته باطلٌ لا أصلَ له ولا نَعْلَمُ فيه نقلاً إسلامياً، وكلُّ ما بَلَغَنَا فيه، فمن نقول الكُتُبِ السابقةِ‏.‏

والذي تبيَّن لي في هذا البابِ‏:‏ هو أن يُكْتَفَى بما في «مستدرك الحاكم» بإِسنادٍ صحيحٍ‏:‏ «أن داودَ عليه الصلاة والسَّلام لمَّا أَمَرَهُ سبحانه أن ‏{‏اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْراً‏}‏ ‏(‏سبأ‏:‏ 13‏)‏، قسَّم أيامه للعبادة، فجعل يوماً لنفسه، ويوماً لِعِيَالِهِ، ويوماً لعبادة ربِّه، ويوماً لفظل الخُصُومَاتِ‏.‏ ومرَّ على ذلك زمانٌ حتَّى أعجبه النظم لعبادته، فَفَرِحَ بذلك، وظنَّ أنه قَلَّ منهم من يكون عنده نظمٌ في العبادة مثله، فقيل له‏:‏ يا داود إنا نُفْتِنُكَ، فقال‏:‏ علِّمني اليوم الذي أُفْتَتَنُ فيه‏.‏ فقال له ربه‏:‏ لا‏.‏ فابتلاه ربه، بأن صَعِدَ الملائكةُ على جدار بيته، واسْتُفْتُوهُ عن قضيةٍ مفروضةٍ‏:‏ له تسعٌ وتسعون نعجةً‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، سواء كان المراد منها الشاة، أو غيرها‏.‏ فَقَضَى داودُ عليه الصلاة والسلام منهم التعجُّب، أنهم كيف وَصَلُوا إليه في يوم عبادته مع الحراسة، والانتظام الشديد، وقد تمَّ الابتلاءُ بهذا القدر فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ‏}‏‏)‏، فيه دليلٌ على مذهب الحنفية‏:‏ أن الركوعَ يَنُوبُ عن سجود التلاوة‏.‏ واسْتَحْسَنَهُ الرازيُّ في «تفسيره»‏.‏ وأَوْرَدَ عليه الشيخ ابن الهُمَام أنه لَمَّا كان المقصودُ من لفظ الركوع هو السُّجُودُ، لم يَتِمَّ الاستدلال، لأن العِبْرَةَ للمعنى دون اللفظ المجرَّد‏.‏ قلتُ‏:‏ رُبَّ أحكامٍ تُبْنَى على ألفاظ القرآن أيضاً، فألفاظُه ليست مطروحةً، فإِطلاقُ الركوع على السجود يُتِمُّ الاستدلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏فَطَفِقَ مَسْحاً‏}‏‏)‏ يَمْسَحُ أَعْرَافَ الخيل وعراقيبها‏.‏ ولم يَصِحَّ ما نُقِلَ من ذبح الخيل، فل علينا أن لا نُسَلِّمَهُ، مع أن فيه إضاعةُ المال، وذَبْحُ الحيوان‏.‏ والأَوْلَى أن يُقْتَصَرَ على لفظ القرآن، وليس فيه إلاَّ المسح‏.‏ والظاهرُ أنه كان شفقةً، فإن صاحبَ الخيل إذا أَحَبَّهَا مَسَحَ نواصيها، وأكفالَها، وأَعْرَافَها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏فَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً‏}‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وفسَّره المصنِّفُ بالشيطان، وهو غَلَطٌ صريحٌ‏.‏ والسِّرُّ في ذلك‏:‏ أن المصنِّفَ دوَّن تفسيرَه من كتاب أبي عُبَيْدَة، فاحتوى كتابه أيضاً على ما كان في كتابه من الأقوال المرجوحة‏.‏ ويُمْكِنُ تأويله‏:‏ أن اللَّهَ سبحانه ألقاه على كُرْسِيِّهِ، لإِراءته أنه ليس في يده شيءٌ، كما أنه أَدْخَلَ المُتَخَاصِمَيْن في بيت داود عليه الصلاة والسلام، فتحيَّر منه‏.‏ وأمَّا ما وراء ذلك، فكلُّه كَذِبٌ لا أصلَ له‏.‏ ولئن سلَّمناه، فلعلَّه كان جَسِماً مثالثاً، أُرِيَ بطريقٍ عارضيَ‏.‏ قال الشيخُ الأكبرُ‏:‏ إن الجسمَ يُقَالُ للجسم الناسوتي، والجسد للبدن المثالي، فلعلَّه كان بدناً مثالياً لجنَ‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

3427- قوله‏:‏ ‏(‏ائْتُوني بالسِّكِّين أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا‏)‏ وأنت تَعْلمُ أنه لم يَكُنْ من نيَّته الشقُّ في الواقع، وإنما أَرَادَ منه التبيُّن، والاختبار‏.‏ فلا يُقَالُ لمثله‏:‏ كَذِبٌ، فهذا نوعٌ من الكلام، كما مرَّ التنبيه عليه‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَبَ القَرْيَةِ‏}‏ ‏(‏يس‏:‏ 13‏)‏ الآية

‏{‏فَعَزَّزْنَا‏}‏ ‏(‏يس‏:‏ 14‏)‏‏:‏ قالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ شَدَّدْنَا‏.‏ وَقالُ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏{‏طَائِرُكُمْ‏}‏ ‏(‏يس‏:‏ 19‏)‏ مَصَائِبُكُمْ‏.‏

والمرادُ منهم رسلُ عيسى عليه السلام، فهذه قصةٌ بعد زمان عيسى عليه السلام‏.‏ وقيل‏:‏ إنها قصةٌ قبل زمانه‏.‏ ثم إنه لم يَثْبُتْ نبيٌّ بعد عيسى عليه السلام قبل بعثته صلى الله عليه وسلّم في النقول الإِسلامية‏.‏ نعم، ومن مَسْخِ طباع الإِنجيليين حيث ألحقوا حصةً في أواخر الإِنجيل، وسمَّوْهُ رُسُلاً، وهم الحواريُّون‏.‏ ثم يقولون‏:‏ إنهم مُلْهَمُون مَعْصُومُون، كالرُّسُلِ، وأطلقوا عليهم الرُّسُلَ أيضاً‏.‏ وأمَّا ما ذَهَبَ إليه الشيخُ الأكبرُ من بقاء النبوة من غير تشريعٍ، فهو اصطلاحٌ جديدٌ منه، فإنه يُطْلِقُ النبوة على الكَشْفِ والإِلهام أيضاً، وقد مهَّدناه في رسالتنا «خاتم النبيين»‏.‏

وبالجملة لم يَثْبُتْ بعثةُ نبيَ بعد عيسى عليه الصلاة والسلام، قيل‏:‏ في زمن نبينا صلى الله عليه وسلّم إلاَّ ما أَرْجَف به الإِنجيليون، فقالوا‏:‏ إن الحواريِّين هم الرُّسُلُ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيباً‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 2- 7‏)‏

قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ مِثْلاً، يُقَالُ‏:‏ رَضِيّاً، مَرْضِيّاً ‏{‏عِتِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 8‏)‏ ‏{‏عَصِيّاً‏}‏، عتا يَعْتُو‏.‏ ‏{‏قَالَ رَبّ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثَلَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً‏}‏ وَيُقَالُ‏:‏ صَحِيحاً‏.‏ ‏{‏فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً‏}‏ فَأَوْحى‏:‏ فَأَشَارَ ‏{‏ييَحْيَى خُذِ الْكِتَبَ بِقُوَّةٍ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 7- 15‏)‏‏.‏ ‏{‏حَفِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 47‏)‏ لَطِيفاً، ‏{‏عَاقِرًا‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 5‏)‏ الذَّكَرُ وَالأُنْثى سَوَاءٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏عِتِيّاً‏}‏ ‏{‏عَصِيّاً‏}‏‏)‏، هكذا وُجِدَ في نُسَخِ البخاريِّ، وهذا التفسير غَلَطٌ، وراجع الهامش‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ فِى الْكِتَبِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 16‏)‏

‏{‏إِذْ قَالَتِ الْمَلَئِكَةُ يمَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 45‏)‏‏.‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرهِيمَ وَءالَ عِمْرنَ عَلَى الْعَلَمِينَ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَرْزُقُ مَن يَشَآء بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 33، 37‏)‏ قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ وَآلُ عِمْرَانَ‏:‏ المُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ عِمْرَانِ وَآلِ يَاسِينَ وَآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلّم يَقُولُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 68‏)‏ وَهُمُ المُؤْمِنُونَ‏.‏ وَيُقَالُ‏:‏ آلُ يَعْقُوبَ أَهْلُ يَعْقُوبَ، فَإِذَا صَغَّرُوا آلَ ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى الأَصْلِ قالوا‏:‏ أُهَيلٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وَءالَ عِمْرنَ عَلَى الْعَلَمِينَ‏}‏‏)‏، وهو والدُ مَرْيَمَ عليها السلام، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ ‏(‏التحريم‏:‏ 12‏)‏، لا عِمْرَان والدُ موسى عليه الصلاة والسلام‏.‏

باب

‏{‏وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَئِكَةُ يمَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَكِ عَلَى نِسَآء الْعَلَمِينَ يمَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الركِعِينَ ذلِكَ مِنْ أَنبَآء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 42- 44‏)‏‏.‏

يُقَالُ‏:‏ يَكْفُلُ يَضُمُّ، كَفَلَهَا‏:‏ ضَمَّهَا، مُخَفَّفَةً، لَيسَ مِنْ كَفَالَةِ الدُّيُونِ وَشِبْهِهَا‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ الله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَتِ الْمَلَئِكَةُ يمَرْيَمُ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏‏{‏فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 45- 47‏)‏

يُبَشِّرُكِ وَيَبْشُرُكِ وَاحِدٌ، ‏{‏وَجِيهًا‏}‏ شَرِيفاً‏.‏ وَقالَ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ المَسِيحُ‏:‏ الصِّدِّيقُ‏.‏ وَقالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ الكَهْلُ الحَلِيمُ، وَالأَكْمَهُ مَنْ يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلاَ يُبْصِرُ بِاللَّيلِ‏.‏ وَقالَ غَيرُهُ‏:‏ مَنْ يُولَدُ أَعْمى‏.‏

تَابَعَهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحاقُ الكَلبِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ‏.‏

3434- قوله‏:‏ ‏(‏وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيراً‏)‏، يعني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم ذَكَرَ فضل نساء قريش‏:‏ رَكِبْنَ الإِبِلَ، ولمَّا لم تَرْكَبْ مريمُ عليها السلام بَعِيراً، لم تَدْخُلْ في هذا التفضيل‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا في دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماوَاتِ وَما في الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 171‏)‏‏.‏

قالَ أَبُو عُبَيدٍ‏:‏ ‏{‏وَكَلِمَتُهُ‏}‏ كنْ فَكانَ‏.‏ وَقالَ غَيرُهُ‏:‏ ‏{‏وَرُوحٌ مّنْهُ‏}‏ أَحْيَاهُ فَجَعَلَهُ رُوحاً‏.‏ ‏{‏وَلاَ تَقُولُواْ ثَلَثَةٌ‏}‏‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ فِى الْكِتَبِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 16‏)‏

فنَبَذْنَاهُ‏:‏ أَلقَينَاهُ‏:‏ اعْتَزَلَتْ‏.‏ ‏{‏شَرْقِياً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 16‏)‏ مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ‏.‏ ‏{‏فَأَجَآءهَا‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 23‏)‏ أَفعَلتُ مِنْ جِئْتُ، وَيُقَالُ‏:‏ أَلجَأَهَا اضْطَرَّهَا‏.‏ ‏{‏تُسَقِطْ‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 25‏)‏ تَسْقُطْ‏.‏ ‏{‏قَصِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 22‏)‏ قاصِياً‏.‏ ‏{‏فَرِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 27‏)‏ عَظِيماً‏.‏ قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏نَسِيَا‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 23‏)‏ لَمْ أَكُنْ شَيئاً‏.‏ وَقالَ غَيرُهُ‏:‏ النِّسْيُ الحَقِيرُ‏.‏

وَقالَ أَبُو وَائِلٍ‏:‏ عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قالَتْ‏:‏ ‏{‏إِن كُنتَ تَقِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 18‏)‏‏.‏

قالَ وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنِ البَرَاءِ ‏{‏سَرِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 24‏)‏ نَهَرٌ صَغِيرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ‏.‏

قالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، هَلَكَ في الجَاهِلِيَّةِ‏.‏

وَقالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسىبْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفوَانَ بْنِ سُلَيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏يأَهْلَ الْكِتَبِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ‏}‏‏)‏ قال‏:‏ «من شَهِدَ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأن محمداً عبدُه ورسولُه، وأن عيسى عبدُ الله ورسولُه، وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ، وروحٌ منه»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، يعني به‏:‏ أن كونه كلمةً، وروحاً منه، صار من عقائد الدين، ومن المسائل التي لا بُدَّ للأمة تعلَّمها‏.‏ أمَّا كونه داخلاً في الإِيمان، فقد عُلِمَ ذلك من القرآن ولكن الحديث نبَّه على كونه من المسائل التي تُعْرَضُ على الأمَّةِ، على نحو ما يُعَلَّم الأطفال‏:‏ بناء اسلام برجند جيز هست بكوير ينج جيز هست‏.‏

3438- قوله‏:‏ ‏(‏كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ‏)‏، وهو معرَّب‏:‏ جت، ويُقَالُ له في الأردويه‏:‏ جات، ولعلَّ بعضاً منهم ذَهَبَ إلى العراق في زمنٍ‏.‏

3440- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلاً وَرَاءَهُ‏.‏‏.‏‏.‏ يَطُوفُ بالبَيْتِ، فَقُلْتُ‏:‏ مَنْ هَذَا‏؟‏ قالوا‏:‏ هَذَا المَسِيحُ الدَّجَّالُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قالوا‏:‏ لم يَكُنْ من نيَّةِ الشقيِّ الطوافُ بالبيت، ولكن لمَّا كان هذا الشقيُّ بصدد نقض ما يَغْزِلُهُ عيسى عليه الصلاة والسلام، أَرِيَ في المنام صورةُ ذلك كذلك، أي كأنه يَطُوفُ، وهذا يُعَاقِبُه خلفه‏.‏ ثم إنه قد يَخْطُرُ بالبال أن بعضَ الرواة لا يَذْكُرونَ طوافه، وهو في البخاريِّ أيضاً، فلا بُعْدَ أن يكونَ ذِكْرُه وهماً من بعضهم‏.‏ وقد أَشَارَ إليه القاضي عِيَاض‏:‏ أن ذِكْرَ طوافه ليس في رواية مالك، كما في النوويِّ‏.‏ وسنعود إلى بيانه أبسط منه إن شاء الله تعالى‏.‏

3442- قوله‏:‏ ‏(‏والأَنْبِيَاءُ أَوْلاَدُ عَلاَّتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَهُ نَبِيٌّ‏)‏، يعني هم متَّحِدُون في العقائد، وإن اخْتَلَفُوا في الفروع، كالأولاد التي تكون من أب واحد، وأمهاتهم شتَّى‏.‏

ثم اعلم أن المشهورَ أن لا نبيَّ بينه، وبين المسيح عليه السلام، كما هو في البخاريِّ، ولكن عند الحاكم في «مستدركه»‏:‏ أنه كان بعد عيسى عليه السلام نبيّاً اسمه‏:‏ خالد بن سِنَان‏.‏ بل ظاهرُه أنه كان قُبَيْل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلّم ويُمْكِنُ أن يكونَ إطلاقُ الأَبِ فيه توسُّعاً‏.‏ ومرَّ عليه الذهبيُّ، ولم يُنْكِرْ عليه، وليس إسنادُه بالقويِّ‏.‏

3444- قوله‏:‏ ‏(‏آمَنْتُ باللَّهِ، وكَذَّبْتُ عَيْنِي‏)‏، فإن قلتَ‏:‏ كيف كذَّب عيسى عليه الصلاة والسلام ما رأته عَيْنَاه‏؟‏ قلتُ‏:‏ ولا بُعْدَ فيه‏.‏ فإن المخاطبَ إذا أَنكر أمراً بالشدَّة، حتَّى يَحْلِفَ به أيضاً، تُلْقَى منه الشبهات في صدور مَنْ لا يعتمد على نفسه في زماننا أيضاً، فإنه يَخْطُرُ بباله أنه لعلَّه لم يتحقَّق النظرُ فيه‏.‏ والنظرُ يُغَالِطُ كثيراً، فيرى المتحرِّكَ ساكناً، والساكنَ متحرِّكاً، والصغيرَ كبيراً، والكبيرَ صغيراً، إلى غير ذلك‏.‏ فكيف إذا وَاجَهَهُ رجلٌ باسم الله الذي تَقْشَعِرُّ منه جلود الذين آمنوا‏.‏ وقياسُ صدور الذين مُلِئَت إيماناً عن الذين مُلِئَتْ جَوْراً وظلماً، قياسٌ مع الفارق‏.‏ ومَنْ لم يَذُق، لم يَدْرِ‏.‏

3445- قوله‏:‏ ‏(‏لا تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فالحديثُ لم يشدِّد فيه تشديدَ القرآن، وعدَّ قولهم من باب الإِطراء فقط، لإِمكان التأويل فيه، بادِّعاء وَحْدَة الوجود، أو غيره‏.‏

فائدةٌ‏:‏ واعْلَمْ أنه لا حِجْرَ في وَحْدَةِ الوجود، فَيُمْكِنُ أن يكونَ كذلك‏.‏ أمَّا كونُه من باب العقائد التي يَجِبْ بها الإِيمان، فذلك جَهْلٌ، لأن غايةَ ما في الباب أنه شيءٌ ثَبَتَ من مُكَاشَفَات الأولياء، فَقَدْ ثَبَتَ خلافه أيضاً وإنما الأحقُّ بالإِيمان، هو الوحيُ لا غير‏.‏

3446- قوله‏:‏ ‏(‏وإِذَا آمَنَ بِعِيسى، ثُمَّ آمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ‏)‏ واعْلَمْ أن المذكورَ في سائر طُرُق هذا الحديث في البخاريِّ‏.‏ «آمن بأهل الكتاب»، إلاَّ في هذا الطريق، ففيه‏:‏ «آمن بعيسى عليه الصلاة والسَّلام»، ومن ههنا قال بعضُهم‏:‏ إن الذين يُؤْتَوْنَ أَجْرَيْنِ هُمُ النصارى الذين آمنوا بعيسى عليه السلام، وبمحمد صلى الله عليه وسلّم أمَّا اليهودُ، فإنهم كَفَرُوا بعيسى عليه السَّلام، فلا يستحقُّون إلاَّ أجراً واحداً، وهو الإِيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلّم فقط‏.‏ وقالوا‏:‏ إن المرادَ من أهل الكتاب هُمُ النصارى، لأجل هذا اللفظ‏.‏ ويُرَدُّ عليهم‏:‏ أن الحديثَ مأخوذٌ من الآية‏.‏ وأنها قد أُنْزِلَتْ في عبد الله بن سلام، وكان يهودياً، فكيف يُمْكِنُ إخراجهم عن قضية الحديث، مع كونهم موردَ النَّصِّ‏.‏ وقد أَجَبْنَا عن الإِشكال في كتاب العلم مبسوطاً، فراجعه‏.‏

3447- قوله‏:‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ هُمُ المُرْتَدُّونَ‏)‏، وقد مرَّ منا‏:‏ أن المرادَ منهم المُبْتَدِعُون مطلقاً‏.‏ وإنما جَاءَ ذِكْرُ المرتدِّين في سياق الحديث، لأن الذين كانت بهم معرفةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم لم يَكُونُوا إلاَّ هؤلاء‏.‏ والمرادُ منه‏:‏ كلُّ من بدَّل الدين، كما يَدُلُّ عليه قوله‏:‏ «سُحْقاً، سُحْقاً لمن بدَّل بعدي»‏.‏ وإنما يُذَادُون عن الحوض، لأنه تمثُّلٌ للشريعة، كما مرَّ مني مِرَاراً‏:‏ أن الأعراضَ تَنْقَلِبُ جواهرَ يوم القيامة، فالحوض هو تمثُّل الشريعة والسُّنة، فمن بدَّلها في الدنيا لا حظَّ به أن يَرِدَ عليه في الآخرة‏.‏ بل أقول‏:‏ إن الشريعة معناها‏:‏ الحوض لغةً، فإِذن ظَهَرَتْ المناسبة بالأولى‏.‏

باب‏:‏ نُزُولُ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيهِمَا السَّلاَم

3448- قوله‏:‏ ‏(‏حَكَماً‏)‏ نعم يَصْلُحُ للحكومة مَنْ كان مسلماً للفريقين، وعيسى عليه الصلاة والسَّلام كذلك، فإنه نبيٌّ من بني إسرائل، وقد آمنا به أيضاً‏.‏

3448- قوله‏:‏ ‏(‏فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ‏)‏، ولمَّا كان الصليبُ جَرَى باسمه، فهو الأحقُّ بنقضه‏.‏

3448- قوله‏:‏ ‏(‏ويَقْتُلَ الخِنْزِيرَ‏)‏ لأن أمَّتَهُ اختارت حِلَّتَهُ، خلاف الواقع‏.‏

3448- قوله‏:‏ ‏(‏ويَضَعَ الحرب‏)‏، هذه نسخةٌ مرجوحةٌ، والراجحةُ ما في الهامش، «ويَضَعَ الجِزْيَةَ»‏.‏ وقد عَمِلَ ببعضه نبينا صلى الله عليه وسلّم في زمنه أيضاً، وهو قولُه عند وفاته‏:‏ «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب»‏.‏ فلم يَقْبَلْ منهم الجِزْيَةَ في العرب، وإذا نَزَلَ عيسى عليه السَّلام لا يَقْبَلُهَا منهم أينما كانوا‏.‏

‏(‏الفرق بين القراءة المتواترة والقراءة الشاذَّة‏)‏

3448- قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وَإِن مّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ‏}‏وفي قراءة شاذَّةٍ قبل موتهم وفي قراءة شاذَّةٍ قبل موتهم‏.‏ واعْلَمْ أن القراءةَ الشاذَّةَ يكفي لها الصدقُ فقط‏.‏ وإنما تُطْلَبُ النكات في القراءة المتواترة، لأن الفرقَ بين المتواترة والشاذَّة إنما يكون في الأمور اليسيرة، نحو‏:‏ الخِطَاب مكان الغيبة، أو أفراد الضمير مكان الجمع ونحوها‏.‏ أمَّا الفَرْقَ بالمسائل فليس فى موضع منها، فإن القرآنَ نَزَلَ يُصَدِّقُ بعضُه بعضاً، فلفظُ القراءة الشاذَّة يكون تابعاً للقراءة المتواترة، ولذا لا يَحْتَاجُ إلى النكات‏.‏ وحينئذٍ لا بَأْسَ إن كان المرادُ من الإيمان في الشاذَّة الإيمان بالغيب، فإن الطَّائفتين من أهل الكتاب تَنْتَظِرَان نزوله عليه الصلاة والسلام، فَصَحَّ إيمانُهما به، بمعنى الإِيمان بالغيب، لا بمعنى العِبْرَةِ بِهما‏.‏

3449- قوله‏:‏ ‏(‏كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ‏)‏، والواو فيه حاليةٌ‏.‏ والمُتَبَادَرُ منه الإِمام المهدي، فَسُمِّي إماماً، وعيسى عليه السلام حكماً وعَدْلاً‏.‏ وحاصله‏:‏ أنتم كيف تكونون حين يَنْزِلُ فيكم ابن مريم، وهو يكونُ فيكم حكماً عَدْلاً‏.‏ أمَّا الإِمامُ، فإنه لا يكونُ هو، ولكنه يكون أحدٌ غيره، ويكون ذلك الإِمامُ منكم، لا من بني إسرائيل‏.‏ بخلاف عيسى عليه الصلاة والسلام‏.‏ وقد اخْتَلَطَ فيه بعضُ الرواة عند مسلم، فَأَطْلَقَهُ على عيسى عليه الصلاة والسلام، فجعل اللفظ‏:‏ «وأَمَّكُمْ مِنْكُم»، يعني أنه إن كان من بني إسرائيل، لكنه يكونُ تابعاً لشرعكم‏.‏ والراجح عندي لفظُ البخاريَّ، أي‏:‏ «وإمامكم منكم»، بالجملة الاسمية‏.‏ والمرادُ منه الإِمام المهديّ، لِمَا عند ابن ماجه‏:‏ بإِسنادٍ قويَ‏:‏ «يا رسول الله، فأين العربُ يومئذٍ‏؟‏ قال‏:‏ هم يَوْمَئذٍ قليلٌ ببيت المَقْدِس، وإمامهم رَجُلٌ صالحٌ، فبينما إمامُهم قد تقدَّم يُصَلِّي بهم الصبح، إذ نَزَلَ عليهم عيسى ابن مريم الصبحَ، فَرَجَعَ ذلك الإِمامُ يَنْكُصُ يمشي القَهْقَرَى، ليقدِّمَ عيسى عليه السلام يُصَلِّي»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ فهذا صريحٌ في أن مِصْدَاقَ الإمام في الأحاديث هو الإِمامُ المهدي دون عيسى عليه الصلاة والسلام نفسه، فلا يُبَالي فيه باختلاف الرواة بعد صراحة الأحاديث‏.‏ وبأيِّ حديثٍ بعده يُؤْمِنُون، فهذا هو أصلُ اللفظ‏.‏ ومن قال‏:‏ «أَمَّكُم منكم» أو‏:‏ «أَمَّكُم بكتاب الله»‏.‏ فكلُّ ذلك من تصرُّفاتهم، وأوهامهم، لأن الحديثَ إذا اخْتَلَفَتْ ألفاظُه عن صحابيَ، فالطريقُ العدولُ عنه إلى حديث صحابيَ آخَرَ إن كان عنده ذلك الحديث، فإنه يَنْفَصِلُ به الأمر على الأغلب‏.‏

بقيَ الكلامُ في إمامة الصلاة، فالإِمامُ في أوَّل صلاةٍ بعد نزول المسيح عليه السلام يكون هو المهديُّ عليه السلام، لأنها كانت أُقِيمَتْ له، ثم بعدها يُصَلِّي بهم المسيح عليه السلام‏.‏

باب‏:‏ ما ذُكِرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل

قالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو‏:‏ وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلكَ، وَكانَ نَبَّاشاً‏.‏

باب‏:‏ حَدِيثُ أَبْرَصَ وَأَعْمى وَأَقْرَعَ في بَنِي إِسْرَائِيل

باب‏:‏ ‏:‏ ‏{‏أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَبَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 9‏)‏

الكَهْفُ‏:‏ الفَتْحُ فِي الجَبَلِ، وَالرَّقِيمُ‏:‏ الكِتَابُ‏.‏ ‏{‏مَّرْقُومٌ‏}‏ ‏(‏المطففين‏:‏ 9‏)‏ مَكْتُوبٌ، مِنَ الرَّقْمِ‏.‏ ‏{‏وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 14‏)‏ أَلهَمْنَاهُمْ صَبْراً‏.‏ ‏{‏شَطَطاً‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 14‏)‏ إِفرَاطاً‏.‏ الوَصِيدُ‏:‏ الفِنَاءُ، وَجَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ، وَيُقَالُ‏:‏ الوَصِيدُ البَابُ، ‏{‏مُّؤْصَدَةٌ‏}‏ ‏(‏البلد‏:‏ 20‏)‏ مُطْبَقَةٌ، آصَدَ البَابَ وَأَوْصَدَ‏.‏ ‏{‏بَعَثْنَهُمْ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 19‏)‏ أَحْيَينَاهُمْ‏.‏ ‏{‏أَزْكَى‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 19‏)‏ أَكْثَرُ رَيعاً‏.‏ فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَنامُوا ‏{‏رَجْماً بِالْغَيْبِ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 22‏)‏ لَمْ يَسْتَبِنْ‏.‏ وَقَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏تَّقْرِضُهُمْ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 17‏)‏ تَتَرُكُهُمْ‏.‏

2352- قوله‏:‏ ‏(‏وكان نَبَّاشاً‏)‏، قد ذكر الراوي في الصدر قصتين، ثم قال في الأخرى‏:‏ «كان نَبَّاشاً»، فَيُوهِمُ أنه وصفٌ لهما، مع أنه وصفٌ لمن ذُكِرَ في القصة الثانية‏.‏

ومن ألفاظه‏:‏ «لَئِنْ قَدَرَ الله عليّ‏.‏‏.‏‏.‏» إلخ، قيل‏:‏ إن هذا يُؤْذِنُ بتردُّده في قدرته تعالى، وهو كفرٌ‏.‏ قلتُ‏:‏ لفظه هذا يحتمل معنيين‏:‏ الأول‏:‏ ما قلتَ، وهو كفرٌ، كما قلتَ‏.‏ والثاني‏:‏ أنه لا شكَّ له في نفس القدرة، ولكنه في إجرائها، أي إنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى، وإن كان قادراً، لكنه إن تَرَكَني على هذا الحال ولم يَجْمَعْني، فقد تمَّت حيلتي، وأنقذتُ نفسي، وإن لم يَتْرُكْني حتَّى جَمَعَني ونفذت قدرته، فإنه يعذِّبني‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وهذا معنى لا غائلة فيه‏.‏ وليس فيه ما يُوجِبُ الكفرَ أصلاً‏.‏ ومن قال‏:‏ لعلَّ التردُّدَ في القدرة لم يَكُنْ كفراً في دينه، بخلاف شرعنا‏.‏ فجعل الخلافَ خلاف المسألة، فهو كما تَرَىَ، وترجمته عندي هكذا‏:‏ يعني‏:‏ اكرميرا بهاند كاركر هو كياتو فبها ونعمت اوراكر قدرت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ اورقدرت جلاهى لى تو‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

وراجع التفصيلَ من رسالتي «إكفار الملحدين»‏.‏ ثم اعلم أن الرواةَ قد اختلطوا في تعيين هذا الرَّجُل، فلم يَثْبُتُوا على أمرٍ، فقالوا مرَّةً‏:‏ «إنه كان نَبَّاشاً»‏.‏ وأخرى‏:‏ «أنه رجلٌ آخر يَخْرُجُ من جهنم»‏.‏ والصواب‏:‏ «أنه رجلٌ من بني إسرائيل»، والباقيةُ كلُّها أوهامٌ‏.‏

3455- قوله‏:‏ ‏(‏أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ تعالى سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُم‏)‏، وهذا من دَأْب الشريعة‏:‏ أن أمراً إذا انتظم من جماعةٍ يُوصِي كلاًّ منهم ما نَاسَبَهُ، فقال في الأمير الجائر قولاً شديداً‏:‏ فإنه نَصَبَه للعدل، وإزالة الجَوْرِ، وأمر الرعايا بإِطاعته في كلِّ حرَ وبَرْدٍ‏.‏ وسنقرِّره في النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

3458- قوله‏:‏ ‏(‏كَانَتْ تَكْرَهُ أنْ يَجْعَلَ يَدَهُ في خَاصِرَتِهِ‏)‏ واعلم أنه مكروهٌ تحريماً في الصلاة‏.‏ وقبيحٌ خارج الصلاة أيضاً‏.‏ وعند الترمذيِّ‏:‏ «أن الشيطان إذا أُخْرِجَ كان على تلك الهيئة»‏.‏

3460- قوله‏:‏ ‏(‏قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَناً‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وقد كان هذا الرجلُ أخذ قيمةَ الخمر من كتابيَ في الجِزْيَةِ، وأتى به إلى بيت المال في عهد عمر‏.‏ وفي طُرُقهِ‏:‏ «لِمَ لم يُوَاكِّلْ عليها كافراً يَبِيعُهَا، فيأخذ ثمنها منه، فَدَلَّ على مسألة الحنفية‏:‏ أن مسلماً لو وَكَّل كافراً ببيع الخمر، طَابَ له الثمن‏.‏

3461- قوله‏:‏ ‏(‏حَدِّثُوا عَنْ بَني إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ‏)‏ والحالُ فيه مختلفٌ، فإن ما يُنْقَلُ عنهم إن صَحَّ ووافق شرعَنا نصدِّقه ونعمل به أيضاً‏.‏ وإن صَحَّ، ولكن لم يُوَافِقْه شرعُنا نصدِّق به، ولا نعمل به، ونحمله على النسخ، أو التحريف‏.‏ وإن لم يَصِحَّ، أو لم يَنْكَشِفْ أصلُه، فإذن لا نصدِّقه ولا نكذِّبه، ونؤمن إجمالاً بما هو الحقُّ عند الله العظيم‏.‏ وهذا هو السبيلُ عندي في المسائل المختلف فيها بين الأئمة، فَنُؤْمِنُ بها إجمالاً على ما هي حقيقتها عند الله تعالى‏.‏ وهو المنقولُ عن أبي مُطِيع البَلْخِي في الفقه الأكبر في نحو تلك المسائل‏.‏ ولَعَمْرِي هو مَخْلَصٌ حَسَنٌ‏.‏

3463- قوله‏:‏ ‏(‏بَادَرَني عَبْدِي‏)‏ يعني أن الموتَ كان آتِيهِ لا محالة، ولكنه بادرني‏.‏

3464- قوله‏:‏ ‏(‏فَأُنْتِجَ هَذَانِ، وَوَلْدَ هَذَا‏)‏، وهذا في لغة العرب، فإنهم يَسْتَعْمِلُون لفظَ الإِنتاج في بعض الحيوانات، والتوليد في بعضٍ‏.‏

3464- قوله‏:‏ ‏(‏فَوَاللَّهِ لا أَحْمَدُكَ اليَوْمَ لشيء أَخَذْتَهُ لِلَّهِ‏)‏ يعني لو أخذت منه شيئاً قليلاً لا أَحْمَدُكَ عليه‏.‏

باب‏:‏ حَدِيثُ الغَار

وهذا البابُ ظاهرُه بين تضاعيف تلك الأبواب غريبٌ‏.‏ فقيل‏:‏ إن البابَ الأوَّلَ كان في أصحاب الرقيم، وهذا كالتفسير له‏.‏ والتحقيقُ‏:‏ أن أصحابَ الرَّقِيمِ هم أصحاب الكهف، وإنما قيل لهم‏:‏ أصحاب الرقيم، لأن مَلِكاً كان رقَّم كتاباً، ووضعه هناك‏.‏ وقيل‏:‏ لا حاجةَ إلى جعله تفسيراً، بل هو بابٌ مستقلٌّ، وقصةٌ من قصص بني إسرائيل، ذكرها المصنِّفُ في جملة قصصهم‏.‏

باب

وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم بِمِثْلِهِ‏.‏

وَقالَ مُعَاذٌ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الغَافِرِ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

3469- قوله‏:‏ ‏(‏كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ من الأمم مُحَدَّثُونَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهو الذي يجيءُ بأقوالٍ صادقةٍ، ولا يُوحَى إليه‏.‏

3470- قوله‏:‏ ‏(‏فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نحوها‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ واعلم أن الجزء الأعظمَ من التوبة، هو الندمُ‏.‏ فإن كانت المعصيةُ نحو الزنا، والسرقة، فتوبتُها بالندم والعَزْمِ بالإِقلاع عنها‏.‏ وإن كانت نحو ترك الصلاة، والصيام، فتوبتُها بالقضاء مع العزم بالإقلاع عن الترك‏.‏ وفي الحديث دليلٌ على أن الندمَ، والعزمَ على الترك توبةٌ، وإن لم يَجِدْ بعدها وقتاً لعملٍ صالحٍ‏.‏

3472- قوله‏:‏ ‏(‏اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَاراً‏)‏ قيل‏:‏ هي قصةٌ وقعت في عهد أنوشيروان،

3473- قوله‏:‏ ‏(‏الطَّاعُونُ رِجْسٌ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي لا ينبغي الدخول في البلدة المطعونةِ، إظهاراً لتوكُّلِهِ، فإن وقع وأنت بها‏.‏ فحينئذٍ لا ينبغي الخروج منها فِرَاراً منه‏.‏ وأمَّا الخروجُ والدخولُ لأجل الحاجات، فهو مستثنىً‏.‏

3473- قوله‏:‏ ‏(‏فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ‏)‏ وفي رواية أبي النَّضْر، كما في الهامش‏:‏ «لا يُخْرِجُكم إلاَّ فراراً منه»، وفيه إشكالٌ، لأنه نقيضُ المراد‏.‏ وأجابَ عنه الشَّارِحُون على أنحاء، كما في الهامش‏.‏ أقولُ‏:‏ وجوابُه عندي بترجمةٍ مفروضةٍ هكذا‏:‏ أي لا يُخْرِجُهُ عنها إلاَّ خروجه المفروض للفِرَارِ‏.‏

والحاصلُ‏:‏ أن لا تَخْرُجُوا من البلدةِ المطعونةِ، كأنكم تَخْرُجُون منها فِرَاراً من القدر‏.‏ أمَّا الخروجُ للحوائج، فهو مرخَّصٌ‏.‏ فالنهيُ عن الفرار، والخروج المقدَّر معاً، لا عن الخروج المحقَّق فقط، مع استثناء الفرار‏.‏ فافهم‏.‏ يعني‏:‏ ايسى نه نكلو جيسا كه نه نكالتا هو تمكو طاعون سى مكر بها كنا هى، يعني صرف بها كنى كى غرض سى نكلو ايسامت كرو‏.‏

3475- قوله‏:‏ ‏(‏لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ قال العلماءُ‏:‏ والمستحبُّ في هذا الموضع، أن يُقَالَ‏:‏ أَعَاذَهَا اللَّهُ تعالى منه‏.‏

3485- قوله‏:‏ ‏(‏بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ‏)‏، وهو قارون‏.‏ وكانت له قرابةٌ بموسى عليه السَّلام‏.‏ وكان في ضيقٍ من ذات يده، ولم يُؤْتَ سَعَةً من المال، فدعا له موسى عليه السلام‏.‏ فإذا الرجلُ قد أُثْرِيَ، ثم ذَهَبَ إليه موسى عليه الصلاة والسلام ليأخذَ منه ما أَوْجَبَ عليه ربُّه في ماله من الزكاة، فأبى، وجَعَلَ يُؤْذيه بكلِّ ما أمكن‏.‏ حتَّى اتفق أنه كان يَعِظُ قومه مرَّةً، فأَمَرَ امرأةً أن تَذْهَبَ إليه، وتقولُ‏:‏ إنه زَنَى بها- والعِيَاذُ بالله- ففعلت، أخزاها الله‏.‏

واستشعر به موسى عليه الصلاةُ والسلامُ، فدعا عليه، وقال‏:‏ يا رب، أَلاَ تَغَارُ مما يفعل هذا، فخيَّره ربُّه أن يَدْعُوَ عليه بما شاء، فدعا عليه بالخَسْفِ‏.‏

فجعل يَتَجَلْجَلُ في الأرض، وهو يَعْتَذِرُ عمَّا صَنَعَ، فلم يَعْفُ عنه موسى عليه الصلاة والسلام، حتَّى خَسَفَ به الأرض‏.‏ ورأيتُ في بعض الروايات‏:‏ قال الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ إنه اعْتَذَرَ منك، فلم تَعْذُرْهُ، أما إنه لو استغفرني لَغَفَرْتُ له‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

كتاب‏:‏ المَنَاقِب

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ‏}‏

وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَآءلُونَ بِهِ وَالاْرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 1‏)‏‏.‏ وَما يُنْهى عَنْ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ‏.‏ الشُّعُوبُ‏:‏ النسَبُ البَعِيدُ، وَالقَبَائِلُ دُونَ ذلِكَ‏.‏

قَال أَبُو عَبْدِ الله‏:‏ سُمِّيَتِ اليَمَنَ، لأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الكَعْبَةِ، وَالشَّأْمَ عَنْ يَسَارِ الكَعْبَةِ، وَالمَشْأَمَةُ المَيسَرَةُ، وَاليَدُ اليُسْرَى الشُّؤْمى، وَالجَانِبُ الأَيسَرُ الأَشْأَمُ‏.‏

باب‏:‏ مَنَاقِبِ قُرَيش

باب‏:‏ نَزَلَ القُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيش

باب‏:‏ نِسْبَةِ اليَمَنِ إلَى إسْماعِيل

مِنْهُمْ‏:‏ أَسْلَمُ بْنُ أَفصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عمْرِو بْنِ عامِرٍ، مِنْ خُزَاعَةَ‏.‏

3493- قوله‏:‏ ‏(‏وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي من كان أشدَّ في كفره، يكون أشدَّ في إسلامه أيضاً‏.‏

3494- قوله‏:‏ ‏(‏وتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الوَجْهَيْنِ‏)‏، وهُمْ ضُعَفَاءُ الإِيمان‏:‏ يعنى كجى ايمان والى دون المنافقين‏.‏

3497- قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى‏}‏‏)‏ وحاصلُ ما جرى بين سعيد، وابن عباس في تلك الآية‏:‏ أن سعيداً حَمَلَهَا على أن في الآية تأكيداً لمراعاة أقربائه صلى الله عليه وسلّم ورَدَّه ابنُ عباس بأن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن بطنٌ من قريش إلاَّ كانت له قرابة فيهم، فكان يقولُ لهم‏:‏ إنِّي لا أسألكم شيئاً إلاَّ أن تُرَاعوا قرابتي فيكم؛ فَتَسْتَجِيبُوا لدعوتي‏.‏

3500- قوله‏:‏ ‏(‏سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ‏)‏ وكنتُ أراه رجلاً ظالماً، لمَّا وَرَدَ في حقِّه لفظٌ‏:‏ «يسوق الناس بعصاه»، ثُمَّ بدا أنه رجلٌ صالحٌ يكون بعد عيسى عليه الصلاة والسلام لمَّا وَجَدْتُهُ ممدوحاً في الأحاديث‏.‏ وحينئذٍ فالمرادُ من السوق‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏:‏ لنظم الأمور‏.‏ وفي كتاب «المبتدا» لابن منبِّه‏:‏ أنه يكونُ آخر ملك في الإِسلام بعد عيسى عليه الصلاة والسلام، ويكون من أهل اليمن دون قُرَيْش، وإذا يَحْمِلُ الحبشةُ على بيت الله المكرَّم، يَدْفَعُهُمْ هذا الملكُ‏.‏ ثم لا يُعْلَمُ هل يبنيه ثانياً، أم لا‏؟‏ وليس هذا جَهْجَاه الغِفَاري، فإنه رجلٌ آخر مذمومٌ‏.‏

ويُسْتَفَادُ من الأحاديث‏:‏ أن الدين في أواخر الدنيا يكون في الشام، ويَشِيعُ الكفرُ في الحجاز، ثم يَخْرُجُ من اليمن أيضاً، ثم يَنْبَسِطُ على البسيطة كلِّها، ثم تَظْهَرُ القيامةُ‏.‏

3500- قوله‏:‏ ‏(‏ما أَقَامُوا الدِّينَ‏)‏ واعلم أن عبدَ الله بن عمرو بن العاص لمَّا حدَّث معاويةَ عن أمر الخلافة، وأنها خارجةٌ عن يد قريش يوماً حتَّى يكونَ القَحْطَانيُّ ملكاً، غَضِبَ عليه معاوية، وحدَّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بدوامها فيهم‏.‏ وقال العلماء‏:‏ إن ردَّه لا يتمُّ من الحديث الذي رواه، لأن جوابَه موجودٌ في نصِّ الحديث، وهو قوله‏:‏ «ما أَقَامُوا الدِّينَ»، فإذا لم يَفْعَلُوا ذلك تَخْرُجُ عنهم‏.‏ فليس في الحديث ما رامه معاوية، ولكنه مؤيِّدٌ لِمَا قاله عبد الله بن عمرو بن العاص‏.‏

ثم عند ابن ماجه، بإِسنادٍ صحيحٍ في روايةٍ طويلةٍ في نزول عيسى عليه السلام، «وتُمْلأُ الأرض من المسلم، كما يُمْلأُ الإِناء من الماء، وتكون الكلمةُ واحدةً، فلا يُعْبَدُ إلاَّ الله، وتَضَعُ الحربُ أوزارها، وتُسْلَبُ قريش ملكها» اه‏.‏ فَدَلَّ على أن الملكَ في زمنه يَنْتَقِلُ من قريش، فانحلَّ به قصة القحطانيِّ أيضاً، لكونها بعد سَلْبِ الملك عن قريش‏.‏

باب

ولم يَقْدِرْ الحافظُ أن يأتي بشيءٍ يَدُلُّ على كون قبائل اليمن من ذُرِّيَّة إسماعيل عليه الصلاة والسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مِنْهُمْ‏:‏ أَسْلَمُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهذه أَسْلَم من خُزَاعة‏.‏ وفي كونها إسماعيليةً اختلافٌ شديدٌ، ولم يتنقَّح بعدُ ولا تمسُّك في قول النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لأَسْلَمَ‏:‏ «فإن أَبَاكُم كان رَامِياً»، على كونهم من ذُرِّيَّة إسماعيل عليه السلام، لجواز كون إسماعيلَ في حزبهم، فَنَسَبَهُمْ إليه لمكانه فيهم‏.‏ قال المؤرِّخُون‏:‏ إن قَحْطَانَ، وعدنان معاصران، وعدنانَ من أجداد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم قيل‏:‏ إن عدنانَ مُعَاصِرٌ بُخْتُ نَصَّر، فلمَّا حَمَلَ عليهم بَخْتُ نَصَّر، جاء عدنان من العرب لحماية أبناء عمِّه حتى انهزمَ، واضْطَرَّ إلى ترك العرب، والسكون في اليمن وبالجملة كون أهل اليمن كلِّهم إسماعيليين، خلافُ الواقع، وقول المؤرِّخين فيه صوابٌ، ولا بدَّ له من تأويلٍ‏.‏

باب‏:‏ ذِكْرِ أَسْلَمَ، وَغِفَارَ، وَمُزَينَةَ، وَجُهَينَةَ، وَأَشْجَع

باب‏:‏ ذِكْرِ قَحْطَان

باب‏:‏ ما يُنْهى مِنْ دَعْوَى الجَاهِلِيَّة

3515- قوله‏:‏ ‏(‏أَرَأَيْتُمْ إنْ كَانَ جُهَيْنَةُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واعلم أن جُهَيْنَةَ، ومُزَيْنَةَ، وأَسْلَمَ، وغِفَارَ كانت دون بني تَمِيمٍ، وبني أَسَدٍ في زمن الجاهلية، فلماَّ بادروا إلى الإِسلام سَبَقُوا عليهم في الشرف‏.‏ هذا محصَّلُ ما في الحديث‏.‏

باب‏:‏ قِصَّةِ خُزَاعَة

وهؤلاء من جُرْهُم، وكانوا هم مجاورو بيت الله أولاً، ثم سلبها قريش عنهم، ومنهم عمرو بن لُحَيِّ، أوَّلُ من سَنَّ عبادة الأصنام‏.‏

باب‏:‏ قِصَّةُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه

باب‏:‏ قِصَّةِ زَمْزَم

باب‏:‏ قِصَّةِ زَمْزَمَ وَجَهْلِ العَرَب

باب‏:‏ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى آبَائهِ في الإِسْلاَمِ وَالجَاهِلِيَّة

باب‏:‏ ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ، وَمَوْلَى القَوْمِ مِنْهُم

باب‏:‏ قِصَّةِ الحَبَشِ، وَقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «يَا بَنِي أَرْفِدَةَ»

باب‏:‏ مَنْ أَحَبَّ أَنْ لاَ يُسَبَّ نَسَبُه

3522- قوله‏:‏ ‏(‏وَأَكُونُ في المَسْجِدِ‏)‏، ولم يَكُنْ المسجد بُنِيَ بعدُ، وإنما كان في المطاف‏.‏

باب‏:‏ ما جاءَ في أَسْماءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم

وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآء عَلَى الْكُفَّارِ‏}‏ ‏(‏الفتح‏:‏ 29‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ‏}‏ ‏(‏الصف‏:‏ 6‏)‏‏.‏

وراجع تفسيره من «روح المعاني»‏.‏

باب‏:‏ خاتمِ النَّبِيِّينَ صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ وَفَاة النبي صلى الله عليه وسلّم

وَقالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ مِثْلَهُ‏.‏

باب‏:‏ كُنْيَةِ النبي صلى الله عليه وسلّم

3534- قوله‏:‏ ‏(‏إلاَّ مَوْضِعَ لِبَنَةٍ‏)‏ قال الحافظُ في تقريره‏:‏ إن تلك اللَّبِنَةَ، لكونها في ناحية البيتِ، ينبغي أن تكونَ بصفةٍ يتوقَّفُ عليها بناء البيت، فإن لَبِنَةَ الناحية، لو كانت ضعيفةً، وهي بنيانُ البيت، لانْقَضَّتْ‏.‏

قلتُ‏:‏ والألطفُ عندي في تقريره ما في الإنجيل‏:‏ أن المعمارَ إذا بني بيتاً، جَعَلَ يبني بالحجارة الرخوة، ويرمي الصلبة، فإذا انتهى إلى ختم البناء، يَرْفَعُ هذه الحجارة التي كان رماها أولاً، ويَضَعُها في ناحية البيت، فتكون الحجارةُ التي قد رمى بها أولاً، صدرَ البيت آخراً‏.‏ وهذا التمثيلُ يُشِيرُ إلى أن إسماعيلَ عليه الصلاة والسلام قد كان ألقى في ناحيةٍ، ثم صار هو صدراً‏.‏

باب‏:‏ خاتمِ النُّبُوَّة

قالَ ابْنُ عُبَيدِ اللَّهِ‏:‏ الحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الفَرَسِ الَّذِي بَينَ عَينَيهِ، قالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ‏:‏ مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ‏.‏

3541- قوله‏:‏ ‏(‏قَالَ ابنُ عُبَيْدِ اللَّهِ‏:‏ الحُجْلَةُ، مِنْ حُجَلِ الفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ‏)‏ قلتُ‏:‏ وهذا التفسيرُ وَهْمٌ، فإن حُجَلَ الفرس لا يكون بين عينيه، وكذا قوله‏:‏ الصحيح الراء، قبل الزاي، بل الصحيحُ‏:‏ الزاي، قبل الراء، أي زِرُّ الحَجَلَةِ‏.‏ وفي «مسند أبي داود الطيالسي»‏:‏ أن خاتم النبوة كانت علامة لختم النبوة‏.‏ وراجع «عقيدة الإِسلام»‏.‏

باب‏:‏ صِفَةِ النبي صلى الله عليه وسلّم

قالَ‏:‏ وَقالَ ابْنُ بُكَيرٍ‏:‏ حَدَّثَنَا بَكْرٌ‏:‏ بَيَاضَ إِبْطَيهِ‏.‏

3547- قوله‏:‏ ‏(‏فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ‏)‏، وإنما لَبِثَ ثلاث عشرة سنة، وإنما عدَّ عشر سنين، لأنه بصدد عدِّ السنين التي نَزَلَ فيها الوحيُ، فلعلَّه عدَّ زمنَ الفترة، ثلاث سنين، وللعلماء في عِدَّتِها أقوالٌ‏.‏

3555- قوله‏:‏ ‏(‏إن بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ‏)‏، أي أحدهما أبٌ، والآخر ابنٌ‏.‏ واعلم أنه لا عِبْرَةَ بالقافة عندنا شرعاً، وإنما هي أمرٌ لتطييب الخاطر‏.‏ ولا حُجَّةَ في الحديث على كونها حُجَّةً‏.‏

3558- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم ‏؟‏ ، قال الحافظُ‏:‏ وذلك بعدما فُتِحَتْ مكة‏.‏

فائدة‏:‏ واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان يُحِبُّ موافقةَ أهل الكتاب فيما لو يُؤْمَرْ فيه بشيءٍ‏.‏ ومن هذا الباب استقبالُه إلى بيت المَقْدس بالمدينة، لا أنه كان لتأليف قلوبهم‏.‏ بل الوجهُ أنه لمَّا بُلِّغَ في موضع كانت قبلتهم إلى بيت المَقْدِس، اتَّبَعَ قبلتهم، لأن نسخَ قبلة النبيِّ المتقدِّم بلا نزولٍ، شرعٌ جديدٌ يُؤْذِنُ بالخلاف، ويُورِثُ الشقاق‏.‏ ثم لمَّا وُجِّهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم إلى البيت، ترك استقبال قبلتهم لنزول قبلته‏.‏ وهذا الوجه مماَّ قد تفرَّدت به، وقد قرَّرته سابقاً‏.‏

3559- قوله‏:‏ ‏(‏فَاحِش‏)‏‏:‏ بدزبان‏.‏

3559- قوله‏:‏ ‏(‏مُتَفَحِّش‏)‏‏:‏ بزور بدزبانى كرنى والا‏.‏

3565- قوله‏:‏ ‏(‏كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ في شَيءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلاَّ في الاسْتِسْقَاءِ‏)‏، وفي «مراسيل أبي داود»‏:‏ لا يَرْفَعُ كل الرفع، فاندفع الإِشكال‏.‏ وإلى المبالغة في الرفع يُشِيرُ قوله فيما بعده‏:‏ «فإنه كان يرفع يَدَيْهِ حتَّى يُرَى بَيَاضَ إِبْطَيْهِ»‏.‏ وقد ذَكَرَ ابنُ عبَّاسٍ في الرفع درجاتٍ، فراجعها من رسالتنا «كشف الستر»‏.‏

باب‏:‏ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم تَنَامُ عَينُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلبُه

رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

3569- قوله‏:‏ ‏(‏يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أمَّا كون عدد ركعاته صلى الله عليه وسلّم إحدى عشرة ركعةً، فكان ذلك في رمضان وغيره‏.‏ وأمَّا كون أربع ركعاتٍ بترويحةٍ، ثم أربع ركعاتٍ بترويحةٍ، فذلك كان في رمضان فقط‏.‏

3570- قوله‏:‏ ‏(‏جَاءَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوْحَى إِلَيْهِ‏)‏ وقد أَخْرَجَ فيه الحافظُ عشر عِلَلٍ‏:‏ منها أن المعراجَ ليس إلاَّ بعد نزول الوحي‏.‏ وأُجِيبَ أنهم جاءوا، ثم انْصَرَفُوا في تلك المرَّةِ‏.‏ وفي هذه الرواية‏:‏ إن فاعل ‏{‏دنا‏}‏ ‏(‏النجم‏:‏ 8‏)‏، هو الله تعالى ويجيء الحديثُ في كتاب التوحيد، وعندي فيه تقديمٌ وتأخيرٌ

باب‏:‏ عَلاَماتِ النُّبُوَّةِ في الإِسْلاَم

وَقالَ عَبْدُ الحَمِيدِ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ العَلاَءِ، عَنْ نَافِعٍ بِهذا‏.‏ وَرَوَاهُ أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

قالَ أَبُو سَعِيدٍ‏:‏ فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هذا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذلِكَ الرَّجُلِ فَالتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيهِ عَلَى نَعْتِ النبي صلى الله عليه وسلّم الَّذِي نَعَتَهُ‏.‏

وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبَينِ»‏.‏

واعلم أن ما يَصْدُرُ من الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة يُسَمَّى إرْهَاصاً، وما يَصْدُرُ بعد النبوة يُسَمَّى معجزةً، وأمَّا المصنِّفُ، فإنه بصدد بيان العلامات، سواء كانت من جنس الإرهاصات، أو المعجزات‏.‏

3571- قوله‏:‏ ‏(‏فَشَرِبْنَا عِطَاشاً أَرْبَعِينَ رَجُلاً‏)‏، ولا حاجةَ إلى ذكر هذا العدد، فإن الصحابةَ في غَزْوَةِ خَيْبَرَ كانوا ألفاً وأربع مئة، وهذه القصة فيها، وكانوا كلُّهم محتاجين إلى الماء‏.‏

3572- قوله‏:‏ ‏(‏قُلْتُ لأَنَسٍ‏:‏ كَمْ كُنْتُمْ‏؟‏ قال‏:‏ ثَلاَثَ مِئَةٍ‏)‏، وفي الرواية الثالثة بعدها عن أَنَسٍ، قال‏:‏ «خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في بعض مَخَارِجِهِ»، فذكر فيه‏:‏ أنهم كانوا سبعين‏.‏ وحَمَلَهما الحافظُ على الواقعتين في تمر المدينة‏.‏ وأمَّا قوله‏:‏ «خرج في بعض مَخَارِجِهِ»، فإن ظاهرَ خروجه للسفر، لكن يُؤَوَّل أنه خَرَجَ في المدينة إلى وجهٍ‏.‏

3583- قوله‏:‏ ‏(‏حَدَّنا أبو حَفْصٍ، واسْمُهُ عُمَرُ بنُ العَلاَءِ، أَخُو أبي عَمْرٍو بن العلاءِ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فأبو عمرو ليس راوياً، بل هو أخٌ للراوي في البخاريِّ، وأبو عمرو هذا متقدِّمٌ عن سيبويه، والخليل، وإمامٌ للنحو‏.‏ وهذا الذي نَقَلْتُ عنه الفرق بين الفرجة، والفرجة، وهو الذي سَأَلَ أبا حنيفة عن القتل بالمثقَّل، فقال له الإِمام‏:‏ ولو ضرب بأبا قُبَيْس‏.‏

3590- قوله‏:‏ ‏(‏حتَّى تُقَاتِلُوا خُوزاً، وكَرْمَانَ‏)‏ قيل‏:‏ من هؤلاء، فإن خُوزستان، وكَرْمَان من بلاد إيران‏.‏ وما ذُكِرَ فيه من حليتهم، أعني‏:‏ «فُطْسَ الأُنُوفِ»، وغيره، لا تُوجَدُ فيهم، فإنها حلية الترك‏.‏ وليسوا هؤلاء من الترك، ولا من مغول، فمن هم‏؟‏ أمَّا مغول، فهو من ذُرِّيَّة يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، وكذا بعضٌ من الترك أيضاً‏.‏ فأجاب الحافظُ بحمله على وَهْمِ من أحد الرواة، حيث ذكر من حلية الترك مع خُوز، وك2رْمَان‏.‏ وقيل‏:‏ إنه جاءَ بعضٌ من مغول في الابتداء في خُوز، وكَرْمَان، وسَكَنُوا بها، فهم هؤلاء‏.‏

3591- قوله‏:‏ ‏(‏تُقَاتِلُونَ قَوْماً نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وهو هذا البَار2زُ‏)‏، يعني‏:‏ باهر والى، ورأيتُ أن كلَّ أهل بلدة يقول لآخر‏:‏ بَارِزَاً‏.‏ فالعربُ تقول للعجم‏:‏ بَار2زاً، وكذا العكس‏.‏ وقيل‏:‏ إنه معرَّبٌ فارسٌ، للإِبدال بين الباء والفاء، وكذا بين الزاي والسين‏.‏ قلتُ‏:‏ فإن كان بفتح الراء، فهو كذلك، كما عند ابن ماجه‏.‏

3593- قوله‏:‏ ‏(‏حَتَّى يَقُولُ الحَجَرُ‏:‏ يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائي فَاقْتُلْهُ‏)‏، وعند ابن ماجه‏:‏ «أنه يكون سبعون ألفاً منهم مع الدَّجَّال»‏.‏

3595- قوله‏:‏ ‏(‏دُعَّارُ طَيِّىءٍ‏)‏، والدُّعَّار‏:‏ جمع داعر، والطيِّىءُ‏:‏ بهمزة في آخرها‏.‏

3596- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ انْصَرَفَ إلى المِنْبَرِ‏)‏، ولهذا قلتُ‏:‏ إن دعاءَه صلى الله عليه وسلّم على أهل أحد لم يَكُنْ على شاكلة الصلاة، لأنه لم يَخْرُجْ إليهم، وأنه كان في المسجد لذكر الانصراف إلى المنبر بعد الدعاء، وكان المنبرُ في المسجد‏.‏

3600- قوله‏:‏ ‏(‏وأَصْلِحْخ رُعَامَهَا‏)‏ والرُّعَامُ‏:‏ رطوبةٌ تَخْرُجُ عن أنف الغنم، وقد تكونُ لأجل المرض أيضاً‏.‏

3601- قوله‏:‏ ‏(‏مَنْ يُشْرف لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ‏)‏‏:‏ جو اسكوجها نكيكا فتنه اسكوجها نك هي ليكا‏.‏

3602- قوله‏:‏ ‏(‏مِنَ الصَّلاَةِ، صَلاَةٌ مَنْ فَاتَتْهُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وإنما ذَكَرَهُ في هذا الباب لكونه تتمةً من الحديث السابق‏.‏

3605- قوله‏:‏ ‏(‏هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ‏)‏، وهم بنو أُمَيَّة‏.‏

3606- قوله‏:‏ ‏(‏وفِيهِ دَخَنٌ‏)‏، يعني لا يكون فيه خيرٌ واضحٌ‏.‏

3606- قوله‏:‏ ‏(‏دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ‏)‏، يعني يَدْعُو الأمراء إلى أمورٍ خلاف الشرع‏.‏

3606- قوله‏:‏ ‏(‏تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ‏)‏، ومنه أُخِذَ لفظُ‏:‏ أهل السنة والجماعة، وذلك لكون الحقِّ في جماعة المسلمين في الأغلب‏.‏ وقد أخرج الشَّهْرَسْتَاني حديثاً فيه لفظ السنة والجماعة معاً، ولا أدري ماذا حال إسناده‏.‏ وقد احتجَّ الأصوليون من مثله على كون الإِجماع حُجَّة‏.‏

قلتُ‏:‏ وفيه نظرٌ، فإن تلك الأحاديث إنما وَرَدَتْ في سياق التحريض على إطاعة أُولي الأمر، لئلا تَثِيرُ الفتن عند انقلاب الحكومة، فَأَوْصَى باتِّبَاع السواد الأعظم لهذا، ولم يَرِدْ في إجماع الأمة‏.‏ ولعلَّهم تمسَّكُوا بحاصلها، سواء وَرَدَتْ في هذا أو ذاك‏.‏ فإن اللزومَ مع الجماعة مطلوبٌ في كلِّ حالٍ، وفي كلِّ شيءٍ، فَيَصْلُحُ للاستدلال‏.‏

ثم اعلم أن الحديثَ يَدُلُّ على أن العِبْرَةَ بمعظم جماعة المسلمين، فلو بايعه رجلٌ واحدٌ، أو اثنان، أو ثلاثة، فإنه لا يكون إماماً ما لم يُبَايِعْهُ معظمُهُمْ، أو أهلُ الحَلِّ والعقدِ‏.‏ والمنقولُ عن الأشعريِّ خلافه، ولم أَرَهُ إلاَّ في الفتوحات‏.‏

3609- قوله‏:‏ ‏(‏حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيباً من ثَلاَثِينَ‏)‏ وفي «فتح الباري»‏:‏ السبعين أيضاً‏.‏

3610- قوله‏:‏ ‏(‏فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَالْتُمِسَ، فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ‏؟‏ ، وقد كان الْتُمِسَ قبله مرَّتين، ولم يُوجَدْ، فلَمَّا حَلَفَ أبو سعيدٍ أني ما كَذَبْتُ، فَالْتُمِسَ ثالثاً حتَّى وّجِدَ‏.‏

3615- قوله‏:‏ ‏(‏رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ‏)‏‏:‏ سامنى ايك بتهرد كهائى ديا، وعلى هذا العُرْفِ قولهم‏:‏ طَلَعَتِ الشمسُ وغَرَبَتْ، وإلاَّ فهي طالعةٌ أبداً‏.‏

3615- قوله‏:‏ ‏(‏قَعْبٍ‏)‏‏:‏ برى ركابى‏.‏

3620- قوله‏:‏ ‏(‏قَدِمَ مُسَيْلَمَةُ الكَذَّابُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، والإِسنادُ فيه من قبيل بنى الأمير المدينة، لأن عدوَّ الله لم يَخْرُجْ من خيمته، كما ذكره الحافظُ‏.‏

3622- قوله‏:‏ ‏(‏فَذَهَبَ وَهَلي‏)‏ والوَهَلُ‏:‏ هو ما سبق منك بغير الاختيار، فهو مرتبةُ الخاطر، أو الهاجس‏.‏

3622- قوله‏:‏ ‏(‏وثَوَابِ الصِّدْقِ الذي أَتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ‏)‏ المراد منها بَعْدِيَّة متراخية، أو بدر الصُّغْرَى‏.‏

3623- قوله‏:‏ ‏(‏حَدَّثَنا أَبو نُعَيْمٍ‏.‏‏.‏‏.‏ عن عَائِشَةَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وفيه زيادةٌ في «معجم الطبراني» بهذا الإِسناد‏:‏ «أن كلَّ نبيَ عاش نصف عمر الذي قبله، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام عاش مئة وعشرين، فلا أُرَاني ذاهباً إلاَّ على رأس ستين»‏.‏ وهذا مُشْكِلٌ، فإنه لا يَسْتَقِيمُ بحسب أعمار الأنبياء عليهم السلام‏.‏ والمرادُ عندي أنه باعتبار أُولي العزم من الأنبياء عليهم السلام الذي دُوِّن التاريخ بهم‏.‏ وأمَّا عمر عيسى عليه الصلاة والسلام، فتفصيلُه‏:‏ أنه رُفِعَ وهو ابن ثمانين سنة، ويَمْكُثُ في الأرض بعد نزوله أربعين سنة‏.‏ وأمَّا «سبع سنين» عند مسلم، فهي عمره مع المهدي عليه السلام، فتلك مئة وعشرون‏.‏

3627- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَالَ‏:‏ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم ‏؟‏، وليس هذا من باب المجاز، ولا من باب الكِنَاية، فإنه لا دلالةَ عليه بسورة الفتح من حيث اللغة، ولا غيرها‏.‏ نعم ذلك من مقاصد السورة وأغراضِها، فقام من ذلك أصلٌ عظيمٌ لبيان معنى القرآن‏:‏ أنه يَصِحُّ بهذا الطريق، مع عدم كونه حقيقةً، ولا مجازاً، ولا كنايةً، وإنما هو من مراميها البعيدةِ، يَفْهَمُهَا رجلٌ أُوتِي فَهْماً، ورُزِقَ علماً من عند الله‏.‏

فهكذا يُمْكِنُ أن يكونَ موتُ عيسى عليه الصلاة والسلام أيضاً من المرامى البعيدة للفظ التوفِّي‏.‏ وإلاَّ فاللفظُ لا دلالةَ له عليه، وإنما يُفْهَمُ منه معنى الموت على حدِّ الإِيماء والإِشارة، مع كون الغرضِ هو الاستيفاء‏.‏ نعم بعد استيفاء الأجل ليس إلاَّ الموت، فَيُمْكِنُ أن يكونَ مفهوماً بهذا الطريق‏.‏

3628- قوله‏:‏ ‏(‏حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ‏.‏‏.‏‏.‏، عن ابن عبَّاس، قال‏:‏ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ، وقَدْ عَصَّبَ رأسه بِعصَابَةٍ دَسْمَاءَ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثم قال‏:‏ أَمَّا بَعْدُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهذا خروجُه يوم الخميس‏.‏ وأنكره الحافظُ، وادَّعَيْتُ إثباته فيما مرَّ‏.‏

3633- قوله‏:‏ ‏(‏فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِياً‏)‏، أي شخصاً معظَّماً‏.‏ والفَرِيُّ‏:‏ أصلُه‏:‏ قَدُّ السَّيْرُ بين إصْبَعَيْنِ، ولا يأتي إلاَّ من الماهر، فإنه يخاف فيه جرح الإِصْبَع، وقد يُشْكِلُ قدُّه مستقيماً، فقد تَنْحَرِفُ الآلة، فَيَدِقُّ السَّيْرُ من بعض المواضع‏.‏ ويَغْلُظ في بعضٍ، ولذا يُرَادُ به الماهر في فنِّه‏.‏

باب‏:‏ سُؤَالِ المُشْرِكِينَ أَنْ يُرِيَهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم آيَةً، فَأَرَاهُم انْشِقَاقَ القَمَر

وقد شاهده ملك بهو صلى الله عليه وسلّم ل من الهند، اسمه‏:‏ بهوج صلى الله عليه وسلّم ل، ذكره الفرشته في «تاريخه» على أن مشاهدة غيرهم ليس بلازمٍ، فكثيراً ما تَنكَسِفُ الشمس والقمر، ولا يكون به للعامة خبرٌ، فكيف بانشقاقه‏؟‏ فإنه انشقَّ، ثم الْتَأَمَ من ساعته‏.‏

باب

قَالَ عُمَيرٌ‏:‏ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ‏:‏ قَالَ مُعَاذٌ‏:‏ وَهُمْ بِالشَّأْمِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ‏:‏ هذا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذاً يَقُولُ‏:‏ وَهُمْ بِالشَّأْمِ‏.‏

قَالَ سُفيَانُ‏:‏ كَانَ الحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهذا الحَدِيثِ عَنْهُ، قَالَ‏:‏ سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ، فَأَتَيتُهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ‏:‏ إِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ‏.‏

3641- قوله‏:‏ ‏(‏لا يَزَالُ من أُمَّتي أُمَّةٌ قَائِمةٌ‏)‏ وقد مرَّ مني‏:‏ أنها طائفةُ المجاهدين في سبيل الله‏.‏ وما ذَكَرَهُ أحمدُ أنها أهل السنة والجماعة، فهو أيضاً آيِلٌ إلى ما قُلْنَا، وقد فصَّلناه من قبل‏.‏

3641- قوله‏:‏ ‏(‏فقال مُعَاوِيَةُ‏:‏ هذا مَالِكٌ يَزْعُمُ أنه سَمِعَ مُعَاذاً يَقُول، وهُمْ بالشَّام‏)‏، وإنما كان معاويةُ يُذِيعُهُ إشارةً إلى كونه على الحقِّ، مع أن الحديثَ وَرَدَ نظراً إلى زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، فإنَّ الخيرَ لا يكون في زمنه إلاَّ بالشاَّم‏.‏ أو هو بناءً على الحديث الذي اختلف فيه المحدِّثُون‏:‏ «أن الأَبْدَالَ أكثرهم بالشام»، ولا تعلُّق له بما يُشِيرُ إليه معاويةُ‏.‏

3642- قوله‏:‏ ‏(‏قال سُفْيَان‏:‏ كان الحَسَنُ بنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الحديثِ عَنْهُ‏)‏ واعلم أن الحسنَ بن عُمَارة ضعيفٌ بالاتفاق، ولكن ليس ذِكْرُه في الإِسناد، بل في ذَيْلِ القصة، ولا بأسَ به‏.‏

3646- قوله‏:‏ ‏(‏ورَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّياً‏)‏ واسْتُدِلَّ به على أن التغنِّي يُسْتَعْمَلُ بمعنى الاستغناء، وهو المرادُ في قوله‏:‏ «مَنْ لَمْ يتغنَّ بالقرآن»»، الحديث‏.‏ أي من لم يَسْتَغْنِ به‏.‏ ولي شرحٌ آخر، سأذكره في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ دَعْ- فرفع يديه‏)‏ فإني أخشى أن لا تكونَ محفوظاً، وليس هذه العبارةُ في غير تلك النُّسْخَةِ، ولم يأخذها أحدٌ من شارحيه‏.‏ وثَبَتَ منه رععُ اليدين عند التكبير في خَيْبَر‏.‏

كتاب‏:‏ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلّم

وَمَنْ صَحِبَ النبي صلى الله عليه وسلّم أَوْ رَآهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ‏.‏

قَالَ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ وَكَانُوا يَضْرِبُونَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالعَهْدِ وَنَحْنُ صِغَارٌ‏.‏

باب‏:‏ مَنَاقِبِ المُهَاجِرِينَ وَفَضْلهم

مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيمِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏.‏

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلْفُقَرَآء الْمُهَجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَرِهِمْ وَأَمْولِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّدِقُونَ‏}‏ ‏(‏الحشر‏:‏ 8‏)‏‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 40‏)‏، قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏:‏ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلّم فِي الغَارِ‏.‏

واعلم أنه كانت عند أبي بكرٍ ناقتان‏:‏ إحداهما اشتراها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وكانت تُعْلَفُ عند أبي بكر، والأخرى له، وهاتان كانتا في سفر الهجرة‏.‏ أمَّا دخوله صلى الله عليه وسلّم في المدينة، ففيه اختلافٌ لأصحاب السِّيَر، فقيل‏:‏ إنه دَخَلَ الثامنة، وقيل‏:‏ الثانية عشر‏.‏ وعيَّنه محمود شاه الفرنساوي، وهو الصوابُ، لأن ما تلقَّاه أهلُ السِّيَرِ هو من أفواه الناس، وما حرَّره الفرنساوي هو بالحساب، فهو أقربُ إلى الصواب‏.‏ فلمَّا سَمِعَ أهلُ المدينة مَقْدَمَهُ، خَرَجُوا إليه وافدين، وأصرُّوا عليه أن يَنْزِلَ ببلدهم، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم نزل بقُبَاء، وأقام بها أربعة عشر يوماً، ولم يَجْمَعْ بهم‏.‏ وما في هامش البخاريِّ نسخة‏:‏ «أربعة وعشرين يوماً»، غَلَطٌ‏.‏ ثم ارْتَحَلَ من قُبَاء يوم الجمعة، وجَمَعَ في بني سالم- محلَّة من المدينة- ثم دَخَلَ في بيت أبي أيوب الأنصاريِّ، وكان البيت بناه تبع‏.‏ وقصته‏:‏ أنه خَرَجَ إلى أهل المدينة ليُحَارِبَهُمْ، فلماَّ دَنَا منها أخبره من معه من اليهود أنها مهاجر النبيِّ الأميِّ صلى الله عليه وسلّم فأعْرَضَ عنهم، وبَنَى بيتاً لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلّم ولعلَّ هذا هو السِّرُّ في بروك راحلته عنده، فكان به حتى بَنَى المسجد، ولم يكن إذ ذاك عنده إلاَّ سَوْدَة، فبنى له بيتاً وحُجْرَة‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «سُدُّوا الأَبْوَابَ، إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ»

قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

واختلف الرواةُ بين ذكر الباب، أو الخَوْخَةِ‏.‏

باب‏:‏ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ النبي صلى الله عليه وسلّم